لم أصدق بعد أن هناك من يعرف الله "الجبّار العزيز المقتدر",ثم يتجرأ على ذاته,أوأن ذلك المخلوق الضعيف يُسيء الأدب مع الخالق,فربما طفلٌ صغير قد يتباهى بشجاعته وجرأته بتمردٍ كهذا,لكن بمجرد إفهامه وعلمه بشناعة ما فعل يؤب إلى رشده,ويضع خطوطاً حمراء حولها لا يتجاوزها.
؛
لازال صدى ما كتبه درويش يرن في أذني,ولازلت أعيش صدمة أذهلتني إشفاقاً عليه من وبال ما أقدم عليه,وتساءلاً عمّا دفعه لذلك,كنت أحاول إقناع نفسي -فضلاً عن غيري- بأنه وقع بذلك الخطأ عن جهلٍ محض,كنت أذكر ما قالته إحدى الدكتورات عندما أتت إلى السعودية للعمل,أذكر بأنها كانت لا تخفي في كل محاضرة ما تظن بأن تمسكنا به تخلف ورجعية,حتى أنها قالت ساخرة "أنتم تفرقونهم حتى في المجالس ,فمجلس للرجال ومجلس لنساء..؟!", كنا نكن لها الاحترام ونلتمس لها العذر فيما قالت نظراً للبيئة التي نشأت بها ولنوعية التعليم الذي صُقلت به,توالت الأيام ونهاية كل أسبوع لدينا في الكلية محاضرات علمية وثقافية ومعظمها دينية,كانت هذه الدكتورة لا تغيب عن المحاضرات هذه,فضلاً عن الكتيبات والمطويات الدعوية التي كانت توزع هناك ,في نهاية السنة قالت" أحمدوا الله على هذه النعمة التي خصكم بها تتعلمون أصول دينكم منذ أول دخولكم للمدرسة فطفلٌ في الصف الأول ابتدائي قد يعلمني كيف أتوضأ وكيف أصلي, بينما نحن لا نعلم عنه إلا ما علمناه من خلال آباءنا "الجهّال" هنيئاً لكم بهذا البلد وهنيئاً لنا أننا أتينا إليه ".
أخرى كان لابد لها أن ترتدي الحجاب,وكانت جداً متذمرة منه,وعندما تخرج تكون مُحاطة باثنتين من زميلاتها وكل واحدة تمسك بيدها – حتى لا تقع- وهي تردد" ما هذا كيف أرى؟ كيف أتنفس" وتتأفف,هذا في البداية لكنها بعد إكمالها لسنة ارتدت حجاباً متكاملاً و فوق ذلك أصبحت تعمل في الصباح بين محاضرة في قاعة أو معمل,وفي المساء طالبة نجيبة في دور طلب العلم.
من خلال ذلك قلت:بأن أولئك الذين تعدوا على الثوابت ربما لا يعلمون عنها سوى ظاهرها,ربما لا يعون قدسيتها ولا يدركون ما خطورة خوضهم هذا,فمدارسهم التي كبروا متنقلين بين مراحلها لم تكن تهتم كثيراً بأن يتعلموا أصول الدين,فكما نعلم معظم المدارس في أغلب الدول العربية تجمع أكثر من ديانة وبناءاً على ذلك لا تتوسع في هذه الأمور,فالمشكلة هو التطبيل والتصفيق لهذه الأخطاء التي قد وقع فيها أولئك فلو أنهم وجدوا من يأخذ بيدهم إلى الصواب من أول خطأ اقترفوه لما تمادوا,وبذلك فالخطأ مشترك بين من أخطأ ومن أيد ذلك الخطأ,لكن الطامة التي ألقت بظلالها على كل محاولاتي بإيجاد عذرٍ لأولئك,عندما رد علي أخي بقوله :فماذا تقولين عن عبد الله القصيمي,الذي نشأ وترعرع هنا,كان داعية ألّف كتباً عديدة دفاعاً عن الدين وأهله,ثم مات ملحداً وقد قال قولاً بشناعة ما قاله درويش.؟!
بحثت عن بعض مما يذكر ما فعله بتفصيل أكبر وذُهلت,حقاً ذُهلت.
ثم تساءلت بألمٍ:لماذا هؤلاء أنجبهم الطريق الذي نسير عليه..؟!لماذا جميعهم أدباء كبار,وجدوا من الثناء الجمّ على ما يمتلكون من أدبٍ..؟!لماذ..؟!
فخرجت بعدةِ نقاطٍ ضمدت بها أسئلتي:
• من المهم جداً أن يثق الأديب بقلمه,لكن الأهم أن يتذكر دوماً وأبداً أن ما هذا القلم إلا نعمة قد خصه الله بها,نعمة تستوجب الشكر.
• قد يُقال عنك أديبٌ كبير,حينها عليك أن لا تستشعر ذلك,فلو شعرت بذلك قد يتسلل إلى قلبك الكبر والإعجاب بالنفس وما هي إلا مقدمات لما وقع به أولئك.
• في بحثنا عن الابتكار والتميز,قد تقودنا "النفس الأمارة" لتجاوز بعض الحدود,فلنقيّدها قبل أن نبدأ بالبحث.
• وأولاً وأخيراً ,فلنسأل الله الثبات حتى الممات "إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن ما شاء أقامة منها، وما شاء أن يزيغه أزاغه".
"ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا"