الأربعاء، يونيو 24، 2009

وكان الموت أمنية..!





كسدت الحياة وانهارت أسهمها في سوق أوهامي اليومي.
كنت أحلم...
كنت أحلم أن أكون الأديبة...القاصة...الروائية...ذات البريق الهادف..
أحلم...بحصد جوائز وألقابٍ يؤزني إليها طموحٍ جامح لا يحد,بيد أنه لم يكن سوى حلمٍ أرعن..!
ظننت فيه أن الحياة ستسير وفق تطلعاتي..
لا شيء يشي بماهية القدر وكيفيته,ولا شيء سواه يقصم ظهر الأمنيات..!
لازلت أذكر ردة فعلي إبان سماعي لمقولة ذاك الرجل الذي حاز على ما يصبو إليه الكثير,كان يردد قائلاً "ادعوا لي بالشهادة والموت عاجلاً غير آجل.."
حينها تساءلت "ومثلك يسأم الحياة..؟!"
ولم أكن أعلم أن تلك المجبولة على كدر,كل من عرف حقيقتها يود الفرار منها..!
يفرون من كدرٍ حتماً سيزورهم ماداموا أحياء...يفرون من حزنٍ مقيت يستوطن قلوبهم إذا ما أصيب أحبابهم بمكروهٍ فضلاً عنهم..!
قبل ستة أشهرٍ من الآن كانت بيننا تنعم بصحةٍ لا تضاهى,خطأ واحد في تشخيص مرضٍ ألم بها,متيحاً له الفرصة ليستشري فيها بضراوة بين أحبتها,حينها لم يكن هناك من شيء سوى الأنين معها وعليها,لتمت بعد أن لم يبقي منها سوى هيكلٌ عظمي يصيب بالدوار مجرد النظر إليه وتذكر ما كانت عليه إبان صحتها.!
آمنت بالله...آمنت به,بيد أنني لا أملك سوى قلبٍ أظنه "غبي" لطالما لقنته "أن هذه الدنيا وهذه أحوالها" ومازال يئن صامتاً - كلما رأى أو قرأ نكباتٍ تحط بأحدٍ ما- ومتوسلاً لله أن لا تمر تلك النكبات بأحبته أبداً ما بقي..!
أما وقد رأيت فعل الدنيا وسلبها – بأمر الله- بسمةً للتو رُسمت,وفرحةً للتو حيزت,وفي لحظة قد يكون السليم مقعد..
فضلاً عن بعدٍ عن الحق أصبح يتمادى بمرور الوقت.
و أحوال الكرة الأرضية حولي لا تشجع على تمنى الحياة بمعزلٍ عن الموت..!
أصبحت أحلم بحلمٍ واحدٍ فقط..أن أموت دون أن أجرب كدرٍ...وأن أموت و الإيمان مازال يعانق قلبي...
ولست أملك سوى سجلين أحدهما معبأ سيئات,والآخر شبة فارغ,غير أني على يقينٍ أنني أقبل على من وسعت رحمته كل شيء...على من قال " أنا عند ظن عبدي بي" وقد فررت إليه من الدنيا وأهلها...وأظن أن يتغمدني برحمته ويرحمني.

الثلاثاء، يونيو 02، 2009

عضوا على أزمانكم بالنواجذ..!




"..جرّب أن تكون أنتَ...في زمنٍ غير زمنكَ...وقدرٍ غير قدرك.."

"..أوقفوا زحف الزمن القادم قبل أن يداهمكم...أوقفوه ما استطعتم..! "
صبحٌ يُمسك جدائل الليل بطرف إصبعه الصغير,والليل يحايله مراراً,بيد أن أذرع الشمس الطويلة مسّدت على يده ثم لكزت إصبعه فانفلت..
مازلت أمارس رياضة التقمص على الضفة العكسية تماماً كما تفعل المرآة بالصور,تماثلها لحظة ثم سرعان ما تستبدلها بأخرى,تارة أتمثل دور مسنٍ يتوكأ على شفرةِ زمنٍ بثقل ما يختلج بداخله فضلاً عن ثقله..!
حتى طفقت أتحسس فكيَّ "..الحمد لله...فمازالت الأسنان بحوزتي.."هلعة...شتت غيوم التقمص تلك التي تلبدت على فكري بإيماءةٍ سريعةٍ برأسي,وحشرت الشفرة بين فكيَّ...عجنتها...مزقتها..!
دورتُ بنظري على ضفاف نهر الحياة ...مياه براقة يخيل لمن يراها أن ثمة نجمٍ تشظى بداخلها,وهناك شلال رقراق يتدفق بشدة نحو الأعلى..!حاولت الوقوف على رأسي علّني أراه كما عهدته غير أن قدمي لم ترق لهما الفكرة وعاودتا النكوص للأرض "..ما فتئت الأرض تجذب الأشياء نحوها..إذاً ما بال الشلال ذا ..؟!
لابد أن هناك ثمة بركان مائي,سأقترب لأرى.."
سحبتني دوامة نحو الشلال ولم تأبه لاستغاثاتي حتى غبت عن الوعي,وجدتني عائمة فوق غيمة غارقة في الفضاء " أين أنا.... أين العالم ..؟!"
الفضاء ...يلفني .... ولو أن الغيمة تلك تخلت عني لتهاويت في كنف فضاء سحيق ...!تزحف بي بينما كنت أدس وجهي بها قابضة بيدي على شيءٍ ما ذا ملمس قطني مبلل بالغربة ...تزحف بي ... بتؤدة في الفضاء ,ثم عصرتني كقطرة في قرية ما ذات منافذ عديدة مثل خلية النحل ,كُتب أعلاها " قرية صغيرة ... العالم هنا ..."
ولجت عبر منافذ وكنت أدور في دهاليز عديدة جداً حتى أصل لبلدةٍ مطموسة المعالم .."هه ... رحلة حول العالم ,بيد أن كل بلد طبق الأصل للآخر..!"
شيء واحد لفت نظري ,العربات... السيارات...الدراجات ...لم يعد لها أي أهمية فهنالك شوارع متحركة متعاقبة تقف عليها وتسير بك حيث تريد ..!ذاك الشعور الذي ينتاب الغريب ,يسيطر علي...يملأني حنين يكبر شيئا فشيئا حتى يجثم على قلبي , فيدفعني حتى أخرج سريعاً, حتى تهلل وجهه الحنين في داخلي إذ رأيت رؤوس النخيل .. وقد تزاحمت لتسد الأفق ,ملوحة وكأنها ترحب بي,"هنا يطيب لي المقام ...ساقبّل ذرات التراب...واستنشق الهواء بنهم "هذا النسيم يعرفني جيدا فقد وثب نحوي,وكأنه تاق لي كثيرا كما تقت إليه..!ماذا أرى..؟!
ذات الأمكنة التي ألفت...والناس غير الناس..؟!
آدميين لم أميز أي نوعٍ هم..!,الزي...الحليّ قاسم مشترك بينهم,رؤوسهم كمصباتِ نهرٍ جارٍ على أكتافهم,أو كمخازن لأكوام قشٍ, وآخرين بمقاساتٍ صغيرة ,سمعت أحدهم ينادي " ماما...بابا.." ,فركت عيني علني أفرق بين والديه دون جدوى..! لغة التخاطب بينهم لم أعهد مثيلها...عربية مهجنة,لم أستوعبها كثيراً..!
صادفتني [ قرية الجنادرية ] ..." ياااه...كم أنا متشوقة لرؤية تراث أجدادي...الحصير...الخيام...السدو.."ولجت متلهفة بخطٍ حثيثة, كل شيء كان هناك أعرف أدق التفاصيل عنه,ففي قسم الألبسة مَنيكَان أُلبسَ ثوب و شماغ وعقال– طقم رجالي- بجانبه آخر أُلبسَ عباءةً سوداء "هذه ذات الألبسة التي ألفتها..!! "
لم أحفل كثيراً بتلك الألبسة بيد أني فوجئت بأجهزة الاتصالات والكمبيوتر والأقراص المدمجة والليزرية في القسم الآخر " أي زمن ذاك الذي كنت فيه..؟!
أكان زمنً غير زمني..؟!"
رعب وغربة دكت جوانحي صاحبها دوار غيّبني عن الوعي.