الأحد، أغسطس 31، 2008

رَسَاْلَةُ حُبٍّ


إلى كُلِ مَنْ تَسَبَبَ فِي اِعْتِزَالِي لِلأَدَبِ,وإِقْلَاْعِيَ عَنْ التَدَوِيِنِ ,وبِالأَخَصِ هِيَ :
أُخَيَتِيّ مَاذَاْ فَعَلَتِ؟
ومَاذَاْ سَتَفْعَلِيِنْ؟
أُخَيَتِي حَيَاْةُ الْأَدَبِ مَلِيِئَةٌ بِكُلِ مَاْ أَخَافُ عَلَيْكِ مِنْه ,فَلِمَاذَاْ تَتَعَجَلِيِنْ؟
لِمَاذَاْ تَتَحَلَـلِيِنْ؟
مَاْ أَجْمَلَ أَنْ تَكُوْنِي أَدِيْبَةً ,ولَكِنْ أَدِيْبَةً مُسْلِمََةً؛لِمَاذَاْ فَعَلْتِ مَاْ فَعَلْتِ؟
ولِمَاذَاْ كَتَبْتِ مَاْ كَتَبْتِ؟
هَلْ تَبَحَثِيْنَ عَنْ الحُرِيّةِ...والعَمَلِ بِلَاْ قُيُوْدِ..؟
لِمَاذَاْ؟
أَتُرِيْدِيْنَ التَّمَيُزَ؟
فَالتَمَيُزُ أُخَيَتِي سَيَقْدِرُ عَلَيْهِ كُلِ مَنْ لَيْس لَهُ قُيُوْدٍ...الكُلُ قَادِرٌ...لَكِنْ مَاْ أَرْوَعَ التَمَيُزَ تَحْتَ تَأْثِيْرِِ القُيُوْدِ؛نَعَمْ تَحَلَلِي مِنْ قُيُوْدِ التَقَالِيْدِ....لَكِنْ بِأَدَبٍ!!!
وتَمَسْكِي بِقُيُوْدِ الدِيْنِ...فَهِيَ مَنْبَعُ الأَدَبِ؛
حَبِيْبَتِي....عَاْلَمُ الأَدَبِ جِدُ كَبِيْرٌ....وطَرِيْقُهُ جِدُ طَوِيْلٌ....فَإِذَاْ أَرَدْتِ الدُخُوْلَ فِيْهِ ....وقَدْ دَخَلْتِ....فَأَمْسِكِي بِالدِيْنِ كَمِصْبَاحٍ يُضِيْءُ لَكِالطَرِيْقَ....واِرْتَكِزِي عَلَى عَصَا الأَعْرَافِ والتَقَالِيْدِ.
وسِيْرِي ولِيْكُنْ هَمُكِ أَنْ تَصِلِي إِلَى التَمَيُزِ عَنْ طَرِيْقِ....هَذَاْ الطَرِيْقُ؛
ولَاْ تُذِيْبِي نَفْسُكِ فِي شَخْصِيّةِ أَيِّ غَرْبِيّ....و إِنْ كَاْنَ وِلْيَمْ شِكِسْبِيْرُ...أَوْ آغَاثَا كَرِيْسْتِي ؛
فَأَنْتِ مِنْ هُنَا ...ونَحْنُ أَهْلُ الأَدَبِ...فَشَمْرِي...وأَقْدِمِي...وضَعِي لِنَفْسُكِ طَرِيْقَاً ولَوْنَاً....قَدْ يَكُوْنُ بَعَدَ عُمْر ٍ طَوِيْلٍ...طَرِيْقُ المِئَاتِ غَيْرُكِ.
واِحْرَصِي كُلَ الحِرْصِ...أَنْ لَاْ تَتَعَجْلِي فَتَنْدَمِي ؛أُخَيَتِي أَتَمَنْى لَكِ الخَيْرَ....فَعِنْدَمَا تَصِلِيْنَ إِلَى مَاْ تَتَمَنْيِنَ سَأَفْرَحُ لَكِ....وحَتْمَاً سَأَفْتَخِرُ بِكِ,,,,

عِنْدَمَا خَذَلْتُ حَبِيّبِيَّ






هُوَ الحَبِيّبُ...عِنْدَمَا نَهِيمُ حُبَّاَ ؛

وَهُوَ مَنْ يَسْتَحِقُ الحُبَّ...عَنْدَمَا يَغْدُرُ بِنَا كُلُ حَبِيّب؛

هُوَ أَعْذَبُ الحُبّ..عِنْدَمَا نَشْدُو بِهِ لَحْنَاً؛وهُوَ بِكُلِ أَسَفْ إِدَانَةٌ عَلَيّنَا بِالخُذْلَانِ؛

هَذِهِ خَاطِرةَ كَتَبْتُهَا عَنْ الرُسُوُمِ الدِنَمَاركَيةِ المُسَيئةُ لِلحَبِيّب مُحَمّد صَلّى اللّهُ عَلَيهِ وسَلّم؛عَلّ القٌلَمَ يُجيدُ صِياغَةَ عُذْرَي؛


/

/

/

خَذَلّتُهُ كَعَادَتِي!!!

ولَمْ يَكُنْ يَسْتَحِقُ مِنِي الخُذْلَان!!!

تَعِبَ مِنْ أَجْلِّي...حَمِلَ هَمِّي ...وأَسْهَبَ فِي نُصْحِي....وأَخَذَ بِيَدِي... ووَضَعَنِي عَلَى الطَرِيْقِ..... وقَاَلَ...لَنْ تَضَيعِي إَنْ أَطَعّتِ أَمْرِي؛فَكُل أَوْرَاقِي... وحِبْرُ أَقْلَامِي....لَنْ يُطِيْقَا ذِكْرُ أَفْضَالُهُ عَلَيَّ...ولَكِنْ مَا أُطِيْقُ قَوْلَهُ ...كَيْفَ كَانَ شُكّرِي لَهُُ؛سَأَحْكِي لَكُمْ ...عَلَّ القَلَمُ ...يُجِيْدُ صِيَاغَةَ عُذْرِي :فِي خِضّمِ حَيَاتِي المَلِيْئَةَ بِالأَحْدَاثِ...وبِكُلِ مَا يُشْغِلُنِيّ عَنْ تَذَكُرِ اسْمِيّ ....لَمْ أُخْبِر أَطْفَالَ كَوْكَبِيّ بِأَهَمِيَتَهُ لَدَيَّ؛لَمْ أُخْبِرَهُمْ بِأَيِّ فَضْلٍ مِنْ أَفْضَالِهِ....لَمْ أُخْبِرَهُمْ بِأَيِّ شَيٍّء عَنْه ....فَقَط يَعْرِفُونَ اسْمَهُ....لَمْ يَرَوهُ ...أَوْ حَتّى يَعْرِفُواْ وَصْفَهُ؛فَمَاذَاْ فَعَلُواْ بِهِ؟!هَمَّشُوه ....سَخِرُواْ مِنْهُ ....لَمْ يَحْتَرِمُوْهُ....تَجَرَؤُا ْ عَلَيْهِ....بِمَرْأَى ومَسّمَعٍ مِنِي!!!

خَمَنُواْ لَهُ شَكْلاً صَاغَتْهُ عُقُولُهُمُ الصَغِيْرَةُ....ورَسَمَتْهُ أَيْدِيِهِم ....ومَا الذِيّ فَعَلْتَ ؟؟

لَمْ أَفَعَلَ أَيَّ شَيء!!!

فَأَنَا لاْ أُجِيْدُ مُخَاطَبَةَ الأَطْفَالِ...ولَاْ أَقْوَى عَلَى تَوْبِيْخِهِمْ...وتَوْبِيــخُ الطِفْلِ يَزِيْدُهُ عِنَاداً!!!

حَاوَلّتُ اسكاتَهم...و أَظْهَرْتُ غضبي....ولَمْ يَعْبَئُواْ بِيّ ....حدَّثتهم بِهُدُوْءٍ ....ولَمْ يُعِيْرُواْ كَلَامِيَّ أَيَّ اهْتِمَامٍ...فَقَدْ أَصْبَحَ تَجَرُؤُهُمْ عَلَيْهُ أفضلَ مَا يَتَسَلّوُنَ بِهِ!!!

وأَنْا أَحْتَرِقُ أَلَمَاً...فَضَعْفِيّ يُكَبِلُنِيّ!!!

مَنَعْتُ عَنْهُمُ الحَلّوَى ...والحَلّوَى أَحَبُّ مَا لَدَيْهِمْ!!!

فَكَأَنَهُمْ أحسَّوا بِشَنَاعَةِ صَنِيْعِهِمْ ...فَارْتَاحَتْ سريرتي...و هَدَأَتْ نَفْسِي ...وتَنَفَسْتُ الصّعَدَاءَ !!!

ولَاْ أُخْفِيْكُمْ سِرَاً...فَلَقَدْ تَرَاقَصَ قلبي فَرَحَاً بِمَا حَدَثَ ...فَأَنَا مِنْ الضَعْفِ لَاْ أَمْلِكُ سِوَى الحَلّوَى أُسَاوِمُهُمْ بِهَا!!!

لَكِنَنِيّ كُنْتُ كَأُمٍ حَنُونٍ لِهَؤُلَاءِ الأَطْفَالِ...فَقَدْ كَافَأْتُهُمْ عَلَى التزامِهِمالأَدَبَ تِجَاهُهُ بِأَنْ ضِاعَفْتُ لَهُمْ الحَلّوَى؛ويَا لِلْأَسَف...!!

فَقَدْ عَادُواْ لِأَسْوَأِ مِمَا كَانُواْ عَلَيْهِ!!!

فَمَاذَاْ فَعْلّتُ ....؟؟

عُدّتُ مِنْ جَدِيْدٍ ومَنَعْتُ الحَلّوَى ....ولَكِنْ هَذِهِ المَرَةِ لَمْ يِعُدْ يُهِمُهُمْ الأَمْرَ ....ولَمْ يُبَالُواْ بِيَّ !!!

فَقَدْ أَشْعَرْتُهُمْ بِأَنَنِيّ لَمْ أَغْضَبْ كََثِيْرَاً ..لِأَنَنِيَّ سُرْعَانَ مَا رَضِيْت!!!

فَهَلْ هُوَ خَطَأٌ مِنْهُم ...أَوْ خَطَأٌ مِنِيّ ...؟

/

/

/

مُلاحَظة:أُشِيرُ بالحَلّوَى لِمُقَاطَعَةِ المُنْتَجَات الدِنَمَارْكِيّة

صُورَةٌ شَوهَاءُ لِلْقَمَرْ




صورة الشمس وهي تحتضن ذلك البيت الخشبي المعتق وتغسله بضيائها فيندلق متزحلقاً على سقف البيت الخارجي ليرتمي على مروج الريف ,وأخرى للصغار وهم يسبحون في بحر أعشابٍ يموّجها النسيم,ويتقافزون على أشجار البلوط الباسقة بغرورٍ على تلٍ مخضبٍ بالجمال, ويتراشقون بماء النبع ويضحكون..
صورٌ شتى تكاثفت في ذاكرة عطيفة لتهطل دموعها مدراراً كأمطارٍ استوائية.
غادرت عطيفة بلدتها الأعجمية مع أفراد عائلتها الذين أرادوا أن ينزوا كخليةٍ في جسدٍ كبير.
تتمدد الصور في ذاكرتها المشرعة لتملأ مآقيها حنين,ثم تنكمش طاوية معها بعضُ من شوقٍ لذلك المكان.
قالت لوالدها ذات تمدد:
- أرض الغربة يا أبي أرضٌ شائكة,إن نجونا من وخزاتها مرة,فلن يكون ذلك كل مرة.
تبسم والدها وهو يعضُّ على نوى ضجّ به قلبه حنيناً لبلده و أهله,وقال:
- بنيتي الغربة غربة روحٍ,يتقلب فيها القلب بين أشواك وحدته.
صمت برهة جال خلالها بنظره على المساحات والجبال الخضراء التي كانت كمشاجبٍ عُلقت عليها الغيوم ولا تكاد تغادرها,ثم استجمع أحرفه ليُضاءل تلك الصور في عينيه,واستطرد قائلاً:
- هنا نلهث خلف صوتٍ لأذان وصورةٍ لهلال نُداري حياة أرواحنا,نستميت لأجلها,لكن هناك ستُغمر أرواحنا ببحر صدقٍ وإخاء لا ينضب,حينها سننضو أسمال الغربة,غربة الروح يا ابنتي.
أمسكت تلك الكلمات بخطام فكرها ,فأحبت ذاك الجسد,وأدركت بأن روحها آن لها أن تشرئب,آن لها أن تركن إلى الأنس ,أطرقت ملياً ومسحت حبيباتٍ متناثرة أسفل عينيها,ثم قالت:
- محق يا أبي,ما قيمة المكان إلا بأهله,وأين ستجد الروح سعادتها ما لم تجد أرواحاً مآلفة لها..؟!
***
أناخت بهم الأيام على قارعة السعادة التي انسابت مع عروقهم لتدفع بقوةٍ كل غربة وحيرة متخثرة في طريقها,الأب عمل بنّاءاً والأم كانت تجيد الحياكة فامتهنت بها ,الصغار ألحقوهم بالمدارس أما عطيفة فكانت تعين والدتها على أعمالها وتوصل المنسوجات إلى أصحابها.
***
عطيفة ترتدي عباءةً سوداء على أحد جانبيها رُتَقٌ حمراء,وتلف حول رأسها خماراً أبيضاً بالي الأطراف ,تحمل كيساً يحوي منسوجاتٍ تمت حياكتها,توقفت برهة أمام مبنى مهيب,يتوافد إليه نساء كبيرات وفتياتٍ وعددٍ كبير من الصغيرات بعضهن يمسك كتاباً كم تمنت لو أنها تقرأه كله.
بينما هي عائدة إلى المنزل قادتها أشواقها دون أن تشعر لتدخل المبنى ,فدارت في دهاليزٍ كثيرة,وما إن تلتقي بعددٍ منهن حتى تتراجع خجلاً دون أن تنبس بكلمةٍ واحدة,فإذ بها ترى إحداهن تجلس على مكتبٍ زجاجي وحدها,تقدمت نحوها عطيفة مبتسمة وقد تعانقت أسارير الفرح بداخلها بلقيا أرواحٍ تماثلها ,وكأخٍ شقيق توقع سرور أهله بمجيئه بعد غيابٍ طويل توقعت عطيفة فرح تلك برؤيتها, ألقت السلام وتعلوها ابتسامة قمرٍ رقيقة تشي بما يجول بخلدها,المرأة مذ رأتها قطبت جبينها وردت نصف السلام,جلست عطيفة على الكرسي وقالت بعربيةٍ مكسرة:
- أريد أن ألتحق هنا.
رمقتها ثم صعّرت خدها وقالت بتبرمٍ وسخرية:
- لا,لا يمكن ذلك,ربما لاحقاً.
ألحّت عطيفة عليها,فنهرتها باستعلاء:
- اخرجي..اخرجي قلت لا يمكن,هيّا اخرجي.
خرجت عطيفة بنظراتٍ وحالةٍ مناقضة تماماً للتي ولجت بها.
***
صورة القمر مكتملاً على سطح نهرٍ عذب,فإذ ببطٍ عابث يرمي بنفسه على السطح,فتتبعثر قطع القمر الأغر,ويتوارى بعض أشلاءه خلف ظله ,هكذا أصبحت صورة الجسد الذي تركت عطيفة وعائلتها بلدتهم الساحرة لأجله.
وسيظل قمراً.

الْوَصِيةْ



عاد ظريف من المدرسة ونزل من السيّارةِ مسرعاً تاركاً حقيبته خلفه,رمى بحذائه وهو يجري قبل أن يدخل البيت.كانت أم ظريف تحضر الطعام وعندما سمعت صوت ظريف تركت العمل وانحنت منتظره - لأن ظريف قد يقفز ليقبل رأسها فيقع كل ما كان بيدها- دخل ظريف وقال:
- السلام عليكم يا أمي الحبيبة.
وقبل رأسها وقال:
- أمي أنا جائع أين الطعام؟
- حسناً يا بني أغسل يديك,بينما أحضر الطعام.
- بسرعة,بسرعة يا أمي أنا جائع .
ذهب ليغسل يديه وجلس على المائدة ينتظر,جلس الجميع على المائدة,وبعدما تناولوا الطعام قال والد ظريف:
- أنا سأسافر اليوم لظروف عملي,وسأغيب يومين,لا تتعبوا أمكم.
ونظر إلى أكبر أبناءه ظريف وقال :
- أنت يا ظريف رجل البيت في غيابي.
رفع ظريف رأسه مبتسماً وقال:
- نعم يا أبي,أنا رجلٌ أعجبك,سافر ولا تقلق.
* * *
سافر والد ظريف,وأصبح ظريف هو الآمر الناهي على إخوته الصغار,لا يسمح لهم باللعب في المنزل,وعندما يلعبون في الفناء يأمرهم بالهدوء كي لا يزعجوا الجيران,يقول :
-العبوا بصمت أو سأخبر أبي ليوبخكم جميعاً.
قال له مجد :
- أريد أن ألعب معك بالكرة.
- لا الكرة تصدر أصوات مزعجة,وقد تكسر النوافذ,لا يا أخي الصغير لا لن تلعب مادمتُ أنا المسئول.
جلس أخوته الصغار مرغمين ينظرون إلى ظريف وهو يلعب بالكرة,ويستعرض بها أمامهم ثم قال:
-أنظروا سأرفع الكرة عالياً سأجعلها تقترب من السماء.
وركل الكرة بقوة إلى الأعلى ثم سقطت سريعاً وارتطمت بالمزهرية الكبيرة التي في مدخل البيت فتدحرجت ووقعت في الفناء و تكسرت.
عاد والد ظريف إلى المنزل, وكان ظريف يجلس بجانب أبيه وهو منكس الرأس,أستغرب والده من هدوءه,فسأل أخوته :
-مالذي حل بظريف هل هو مريض..؟!
فقالوا بصوتٍ واحد:
- لقد كسر مزهرية المدخل بالكرة.
قطب جبينه وقال :
- ماذا كسر ..؟!
ثم نظر إلى أمه وقال:
-حقاً كسرها؟
- نعم كسرها,لكنه لم يكن يقصد ذلك.
هز رأسه وقال:
- هكذا إذاً , أخبريني,هل كان يصلي في المسجد..؟
وهل صلى الفجر اليوم، أم نام عنها..؟
- نعم...كان يحرص على أداء الصلاة في المسجد,ولم يتأخر عن صلاةٍ واحدة.
ألتفت إلى ظريف وابتسم وهز رأسه وقال :
- مادمت قد صليت يا بني فقد سامحتك .
ثم نظر إلى أبنائه وقال:
- المزهرية ثمينة ,ولم أكن لأسامح أحداً قد كسرها,لكنه كان يحافظ على الصلاة فحفظه الله من عقابي.





الْلِصْ




دخل ظريف وهو ممسكاً بيد أخيه مجد يجره حتى وقف أمام والداه وقال:

- أبي عاقب مجد,لقد أخبرته أكثر من مرة بأن لا يفتح الباب حتى يتأكد من الذي يطرقه,لكنه تجاهل ما قلت وفتح الباب سريعاً,ولم يسألني من أنا..!ثم رمق مجد وقال:

- ماذا لو كنت لص,ولست ظريف..؟!

ماذا كنت ستفعل..؟!

نكس مجد رأسه وقال:

- لن أفعل ذلك مرةً أخرى.

***

بينما كان مجد وبسمة يلعبون في فناء المنزل إذ بالباب يُطرق,فتسابقوا نحوه وكلاً منهما يريد أن يفتح هو الباب,ففتحت الباب بسمة,وهي تقول:

- سبقتك.

فإذا بالطارق امرأة تبدو قصيرة,وتمد يدها المبسوطة, تراجعت بسمة إلى الخلف ولم تنطق بحرف,فتقدم مجد وقال:

- ماذا تريدين..؟

فجثت المرأة على الأرض وأمسكت بقدم مجد وقالت:

- أرجوك,أرجوك,أرجوك.

نبضات قلب مجد ازدادت سرعة,والخوف جمد أطراف بسمة ,الصمت يملأ المكان إلا من صوت تلك المرأة,وهي لازالت ممسكة بقدم مجد,وكأنها لا تريد سوى قدمه.وبعد أن فعل بهم الخوف فعلته,وقفت المرأة ورفعت الخمار عن وجهها,فتفاجأ مجد وبسمة بأنه ظريف وليست امرأة,فأخذوا يضحكون ويبكون في آنٍ واحد,فقال لهم ظريف:

- ألم أقل لكم لا تفتحوا الباب حتى تعلموا من الذي خلفه..؟!

الْسِائِقُ الْمَاهِرْ




أتى والد ظريف قبيل الغروب,فسألته أم ظريف :

- هل أحضرت دوائي يا أبا ظريف..؟

- نعم أحضرته ولكنني نسيته في السيارة.

ثم التفت إلى ظريف وناوله مفتاح السيارة ,وقال:

- اذهب وأحضر دواء أمك من السيارة وأحكم إغلاق السيارة وعد بالمفتاح إلي.

قال ظريف وهو مبتهج:

- حسناً يا أبي كما تريد.

ذهب ظريف إلى السيارة فوجد أصدقائه أبناء الحي أمام البيت فأخذ يلوح بالمفتاح أمامهم متباهي بذلك,فاجتمعوا حوله يتوسلون إليه أن يأخذهم في جولة سريعة ويعود بسرعة قبل أن يشعر والده,فقال لهم بعد أن راقت له فكرتهم:

- حسناً...حسناً يا صغاري,سأذهب بكم فإذا لم تخبروا أحداً أبداً سآخذكم كل يوم في رحلة جديدة.

ركب أصدقائه ثم عادوا إلى المنزل وقبل أن يوقف سيارته خرجت ابنه جارهم سارة فوقعت على الأرض أمام السيارة,ذهل ظريف عندما رآها ملقاه على الأرض,فنزل من السيارة مسرعاً وترك المفتاح بداخلها ولم يغلق الباب,ودخل إلى البيت وهو يصرخ ويقول:

- والله يا أبي لن أعيدها,والله يا أبي لم أنتبه,هي المخطئة,والله يا أبي...

ودخل في نوبة بكاء شديدة.

والد ظريف لم يفهم مالذي يقوله,فخرج ليرى ما الأمر فوجد أصدقاء ظريف وسألهم عن الذي حدث,فقالت سارة:

- لقد ذهب بالسيارة وأخذ أخوتي معه ولما أردت أن أركب معهم قال لي"أنت فتاة صغيرة لن تذهبي معنا"وعندما عادوا كنت سأقف أمام السيارة ليتوقفوا لكنني تعثرت فوقعت فظن أنه قد صدمني بالسيارة..!

مدينة الألعاب


خرجت عائلة ظريف في نزهة إلى مدينة الألعاب,اشترى والد ظريف مجموعة من التذاكر وسلّمها ظريف وأمره بأن ينتبه لأخوته ولا يسمح لهم باللعب في الألعاب الخطرة بل يختار لهم ما يناسبهم و التفت إلى مجد وبسمة وقال:
- أطيعوا ظريف ولا تجادلوه.
وجلس هو وأم ظريف بعيداً عن الألعاب يحتسون القهوة ويتجاذبون أطراف الحديث.
ظريف أخذ أخوته الصغار وكلما وقف أمام واحدة قال:- هذه اللعبة خطرة,سألعب أنا ثم أبحث لكم عن لعبة تناسبكم.وهكذا حتى نفدت كل التذاكر التي معه,فعاد بأخوته إلى والديه ثم ذهب إلى الألعاب ووقف أمامها ,وبينما هو كذلك إذ بأحد الأولاد – سامر-يسأله:
- لماذا لا تلعب..؟
- لعبت بكل تذاكري.
ضحك الولد وقال:
- أنا لم أشتري ولا تذكرة واحدة,ولا زلت ألعب.
تعجب ظريف وقال :
- كيف تفعل ذلك..؟!
- أركب ثم أخبر مشغل الألعاب بأنني قد سلمته تذكرتي ولأن عدد الأطفال كبير لا ينتبه فيصدقني,تعال معي لترى كيف ألعب دون تذكرة.
ذهب ظريف مع سامر وركبا القطار ثم بدأ مشغل الألعاب بجمع التذاكر من الأطفال,فلما وصل إلى سامر أخبره بأنه قد سلم تذكرته وأقسم له بذلك,فتركه وذهب.لما رأى ذلك ظريف قال في نفسه:
- لن أقسم كذباً.
وقام ليخرج فناداه الرجل قائلاً:
- لا تنزل فإننا سنشغل القطار الآن.
- لكنني ليس معي تذكرة لألعب.ابتسم وقال:
- بسبب أمانتك,ستلعب هذه المرة بدون تذكرة.
***
أما سامر فقد افتضح أمره وأُستدعي والده فعاقبه.

قَطَعُ حَلْوَى



ما برح ذلك القلب يهدي قطع حبه على كل ذي روحٍ درج فوق أرضه,وكأنه يوزع قطع حلوى على أطفالٍ سُذّج فرحوا بها بدايةً ثم سرعان ما رشقوه بها لتقع طريحةً وقد علاها غبار إعياءٍ لصيق,لتفرح بها جماعات نملٍ أحمر فتخبئها في غياهب أوردةٍ غائرة,لتستدعيها ذات شتاءٍ نضب فيه الحب.
***
لمَ العبث بقطع الحلوى..؟!
ألا يُجدر تناولها,وإلا فالحفاظ عليها في صندوقٍ أجوف ذي أربعة غرفٍ لحين لحظة اشتهاء..؟!
***
عجيبٌ أمرهم,تُقدم لهم الحلوى على طبقٍ من إحساسٍ مرهف,لينأوا زعماً منهم بأنهم قد كبروا..!
***
ها قد نفدت قطع الحلوى,والشتاء صهر القطع المُخبئة, ولم يعد لها أثر سوى ذكرى كحبلِ مشنقة لُف على عنق تلك الأوردة.
***
والصغار يرفعون أيديهم يستجدون فتات حلوى..!
وأنّى لهم بحلوى..!

/
/
/
كل الجراح ستندمل..إلا جرح الشعور
فقلم أظافر حرفك قبل أن تصافحه ,وحاذر

كُتب بعد رُؤية قلبٍ يسارع في الخير لكل من يقابل,وبالغدر أصبح - ربما لم يبطن الشر لكنه - لم يعد يهتم ببذل الخير.




أَحْلَامٌ مَأسُورَةٌ


"قيد طيورك قبل أن تقودك إلى الجحيم"
قالها صديقه نادر, فرد عليه :
- سأطير مع أحلامي,وسأحلم مادام الحلم أمرٌ مباح.
*
تقلب وهو يصطلي بنار أشواقه,يطبق أجفانه وعينه عصّية لا تنام,وروحه تُجلد بسياط خوفٍ وإقدام.
نظر إلى حقائبه وجواز سفره,ثم أمسك مجلداً أخضر ذا ورقات صفراء حُفر عليها بأحرفٍ ذهبية مشعة كأن نورها نور شمسٍ لا تغيب,ضمه إلى صدره وقبله,ثم قال :
- هذه أغلى هدية حصلتُ عليها.
ذهب إلى المسجد وأخذ يملأ عينيه ويسجل في ذاكرته كل شيء,المحراب والفرش الحمراء المزركشة ,والرفوف الذهبية ومصاحف وكتيبات صغيرة وأد معها حيرته وأحزانه,وتلك الزاوية التي يهرب بمذكراته إليها من ضوضاء البيت,وجدران ساندت آماله وشحنت طموحاته.
*
أ خذ أمتعته وقبل رأسه والديه ويديهما,قالت أمه وهي تحاول أن تثنيه:
- بني ألازلت مُصِرٌ على الذهاب..؟!
طأطأ رأسه قليلاً ثم رفعه وقال:
- سأنهي دراستي هناك,وأعود سريعاً ,إن شاء الله.
ضمت يديه إلى صدرها وأخذت تقبلها وتبكي ,والده دفع بيدها وقال:
- سيعود إلينا وقد تعلم ما يفيد أمته,لا تدعيه يذهب وهو نادمُ على ما تسببه لك من ألم.
مسحت دمعاتها وقالت وهي تحاول أن تبرر موقفها :
- من سيطهو له طعامه..؟!
من سيعيد عليه غطاءه إذا تحرك وسقط عنه..؟!
وإذا أصيب بمكروه من سيساعده..؟!
نهرها أبو فهد وقال:
- الله خيرٌ وأبقى,هيا يا بني ,لا عليك من هذه العجوز,وربت على كتفيه وعقب :- كن خير سفيرٍ لأمتك هناك.
*
ركب الطائرة وأحلامه كسربِ طيورٍ يرافقه,جلس على المقعد المخصصِ له, تناول السماعة ووضعها على أذنيه,هو لا يريد غير سماع أحاديث روحه المنافحة,احتضن معطفه وقال:
- سأقتدي برسولنا صلى الله عليه وسلم في كل شيء,أمانته,صدقه,عدله,حسن خلقه...كل شيء,لأغير نظرتهم إلينا,إيه...لا يمكن أن تكون أمة نبيها نبي الرحمة الذي بُعث لإنقاذ الأرواح المستعبدة,تبيد الأرواح,لا يمكن..!
فبماذا يُفسر زيارته لجاره اليهودي,الذي كان يؤذيه أيُما أذى,فلما فقد أذاه سأل عنه فعلم بمرضه فزاره..؟!
وهكذا فقد وصلت طيورُ أحلامه هناك قبله وبدأت ببناء أعشاشها على القمم.
وبعد عشرين ساعة من السفر والتوقف بين المطارات الدولية,وصل فهد إلى "مطار دالاس واشنطن الدولي" ,كان منبهراً من الجمال الذي يراه,جدران بلورية لمبنى بدا له كأنه سطح سفينة زجاجية,حمل حقيبته على كتفه ووقف في طابورٍ طويلٍ لإكمال بقية الاجراءات .
وقف فهد أمام رجل الخطوط وناوله جواز سفره وهو يبتسم ,أومأ الرجل برأسه وتبسم وقال:
- Welcome, where are you from?
ابتسم فهد وراح يتحدث معه بثقة ,وسعادة غامرة في بدء أولى خطواته باتجاه الهدف. رجل الخطوط أخذ يتفحّص بنظره جواز سفر فهد وقد تسرب الخوف إلى كينونته ,إذ وجد اسم جده "Mohammad",فنادى رجل خطوط آخر ليرى أهو نفس الاسم الذي يهابونه.
*
وانتهى الأمر بطيور أحلام فهد بأن حُبست في قفص جوانتناموا,وما علم خزنته بأنهم الأولى بذلك القفص لا الطيور.

مَدَارَاتٌ مُحَلِقَةٌ



عبق انسكابات القمر تتخلل روحها العطرة ..متدثرة بالجمال .. مغردة تملأ الكون أنساً وبشراً......نظرت إلى الأفق وقد انسدلت آمالها كجدائل مشعة أمسكت بأطرافها...استنشقت عبق التحدي وزفرت الطهر و الإصرار.
جلست "صباح"على مقعدها في الصف ما قبل الأخير منصتة بهدوء, نظرها مشدود صوب الأستاذة ,تجمع أحرف متطايرة ثم تنثرها بتناغم على الطرس.توقفت الأستاذة بجانب "سمر"وخزتها بعينها قائلة:- برغم كل ما قلت لم تفهمي..!ثم قالت بخنق:- غبية..!بكى قلب صباح بألمٍ شديد وفاضت دمعاتٍ ترقرقت منسابة على وجنتيها وهطلت على مذكرة صباح فعانقة الحبر وتفشَّيَا سوياً على الورق وقد طغت زُرقة المِداد فبعثرت الأحرف و تغير لون الورق.
*
صباح لا تريد جليساً إلا من يمتلك مثل طموحاتها وإن لم تجد فتكتفي به ,تحاكي آمالها ,تنسج من الأيام حلماً بدأ يتحقق, تميل إلى العزلة كي لا يحب طموحها الركود أو تنتاب همتها الكسل,إلا أن طهر روحها أبى إلا أن يفيض على سمر,اقتربت صباح من سمر وهمست بإذنها قائلة:- أنت ذكية,فقط ثقي بنفسك.رمقتها سمر بعينيها و قالت:- أعلم أنني أذكى منكِ.ابتسمت صباح وأدركت بأن عليها أن تقتلع الشر من داخلها,لتنمو بذرة الخير,فتدلى أغصانها مظللة كل حي.

*
فغدت تقترب منها شيئاً فشيئاً,متأهبة كما يفعل القنّاص عندما يراقب فريسته,و التصقت بـ سمر ,تريد أن تفعل ما يضيء روحها, وسمر قد نَزا بها الشر, فدار صراع بين ظلمة ونور انتهى بانطفاء النور,وليس ثمة مصباح يضيء ما انطفأ...!