الأحد، أغسطس 31، 2008

أَحْلَامٌ مَأسُورَةٌ


"قيد طيورك قبل أن تقودك إلى الجحيم"
قالها صديقه نادر, فرد عليه :
- سأطير مع أحلامي,وسأحلم مادام الحلم أمرٌ مباح.
*
تقلب وهو يصطلي بنار أشواقه,يطبق أجفانه وعينه عصّية لا تنام,وروحه تُجلد بسياط خوفٍ وإقدام.
نظر إلى حقائبه وجواز سفره,ثم أمسك مجلداً أخضر ذا ورقات صفراء حُفر عليها بأحرفٍ ذهبية مشعة كأن نورها نور شمسٍ لا تغيب,ضمه إلى صدره وقبله,ثم قال :
- هذه أغلى هدية حصلتُ عليها.
ذهب إلى المسجد وأخذ يملأ عينيه ويسجل في ذاكرته كل شيء,المحراب والفرش الحمراء المزركشة ,والرفوف الذهبية ومصاحف وكتيبات صغيرة وأد معها حيرته وأحزانه,وتلك الزاوية التي يهرب بمذكراته إليها من ضوضاء البيت,وجدران ساندت آماله وشحنت طموحاته.
*
أ خذ أمتعته وقبل رأسه والديه ويديهما,قالت أمه وهي تحاول أن تثنيه:
- بني ألازلت مُصِرٌ على الذهاب..؟!
طأطأ رأسه قليلاً ثم رفعه وقال:
- سأنهي دراستي هناك,وأعود سريعاً ,إن شاء الله.
ضمت يديه إلى صدرها وأخذت تقبلها وتبكي ,والده دفع بيدها وقال:
- سيعود إلينا وقد تعلم ما يفيد أمته,لا تدعيه يذهب وهو نادمُ على ما تسببه لك من ألم.
مسحت دمعاتها وقالت وهي تحاول أن تبرر موقفها :
- من سيطهو له طعامه..؟!
من سيعيد عليه غطاءه إذا تحرك وسقط عنه..؟!
وإذا أصيب بمكروه من سيساعده..؟!
نهرها أبو فهد وقال:
- الله خيرٌ وأبقى,هيا يا بني ,لا عليك من هذه العجوز,وربت على كتفيه وعقب :- كن خير سفيرٍ لأمتك هناك.
*
ركب الطائرة وأحلامه كسربِ طيورٍ يرافقه,جلس على المقعد المخصصِ له, تناول السماعة ووضعها على أذنيه,هو لا يريد غير سماع أحاديث روحه المنافحة,احتضن معطفه وقال:
- سأقتدي برسولنا صلى الله عليه وسلم في كل شيء,أمانته,صدقه,عدله,حسن خلقه...كل شيء,لأغير نظرتهم إلينا,إيه...لا يمكن أن تكون أمة نبيها نبي الرحمة الذي بُعث لإنقاذ الأرواح المستعبدة,تبيد الأرواح,لا يمكن..!
فبماذا يُفسر زيارته لجاره اليهودي,الذي كان يؤذيه أيُما أذى,فلما فقد أذاه سأل عنه فعلم بمرضه فزاره..؟!
وهكذا فقد وصلت طيورُ أحلامه هناك قبله وبدأت ببناء أعشاشها على القمم.
وبعد عشرين ساعة من السفر والتوقف بين المطارات الدولية,وصل فهد إلى "مطار دالاس واشنطن الدولي" ,كان منبهراً من الجمال الذي يراه,جدران بلورية لمبنى بدا له كأنه سطح سفينة زجاجية,حمل حقيبته على كتفه ووقف في طابورٍ طويلٍ لإكمال بقية الاجراءات .
وقف فهد أمام رجل الخطوط وناوله جواز سفره وهو يبتسم ,أومأ الرجل برأسه وتبسم وقال:
- Welcome, where are you from?
ابتسم فهد وراح يتحدث معه بثقة ,وسعادة غامرة في بدء أولى خطواته باتجاه الهدف. رجل الخطوط أخذ يتفحّص بنظره جواز سفر فهد وقد تسرب الخوف إلى كينونته ,إذ وجد اسم جده "Mohammad",فنادى رجل خطوط آخر ليرى أهو نفس الاسم الذي يهابونه.
*
وانتهى الأمر بطيور أحلام فهد بأن حُبست في قفص جوانتناموا,وما علم خزنته بأنهم الأولى بذلك القفص لا الطيور.

ليست هناك تعليقات: